‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات حقوقية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات حقوقية. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 30 مارس 2020

حقوق الإنسان






حقوق الإنسان
" المفهوم ، الجذور التاريخية "
 













·       مقدمة .
·       مفهوم حقوق الإنسان .
·       الجذور التاريخية لحقوق الإنسان



















مقدمة
    إن فكرة حقوق الإنسان نالت اهتمام كبير عبر أحقاب التاريخ على مختلف المجتمعات البشرية وعلى اختلاف أنظمتها الاقتصادية ومعتقداتها الدينية وكان مدار جدل عميق في المواقف والاتجاهات لتعلقه بأغلى ما في الكون وهو الإنسان .
فحقوق الإنسان هي الفكرة التي طالما سعى إليها الإنسان وطالبت بها الشعوب ، وتغنى بها الفلاسفة ، وهى الفكرة التي طالما تشدقت بها الحكومات ، والأنظمة وبالرغم من ذلك تخشاها ونادراً ما تعمل على احترامها ، وهى الفكرة التي تستعملها الدول الكبرى دائماً وتظهر في وسائل الإعلام وكأنها تحترم حقوق الإنسان على مختلف صورها ، وهى الفكرة التي تتغير بتغير الحضارات والمجتمعات ، لذلك تمثل فكرة حقوق الإنسان مركزاً بالغ من التعقيد والحساسية.
    ولقد أيقن الإنسان أنه لا سبيل إلى العيش إلا في مجتمع يوفر له كافة الحقوق الأساسية باعتبار أن تلك الحقوق لا تعد منحه من سلطة أو هبه من حاكم ولكنها حقوق مطلقة لازمة للإنسان لزوم الماء والهواء ، بل أنها حقوق فطرية طبيعية ليست خاضعة للمساومة  أو التنازل .
ولهذا فحقوق الإنسان تحظى بأهمية خاصة ترجع إلى الارتباط الوثيق بين احترام حقوق الإنسان من جانب ، والتقدم والتنمية وتحقيق الرخاء والرفاهية لصالح الشعوب من جانب آخر ، لذلك نجد أن الدساتير والقوانين تهتم بهذه الحقوق وبحمايتها .
* مفهوم حقوق الإنسان
      من الصعب تحديد تعريف محدد لمفهوم حقوق الإنسان ، كما أن الكثير من العلماء والمفكرين والفقهاء الذين اهتموا بدراسة حقوق الإنسان لم يصلوا بعد إلى تعريف دقيق وشامل لحقوق الإنسان . إلا أن البعض اجتهد في تقديم تعريف لمفهوم حقوق الإنسان.
الحق لغة ، هو نقيض الباطل ويتضح ذلك في قول الله تعالى ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ
(سورة الأنبياء، 18) ، وكذلك الواجب ويتضح ذلك في قوله تعالى﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ
أي وجب علينا قول ربنا ( سورة الصافات ،31) ، الحظ أو النصيب كما في قوله عزوجل
﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ أي نصيب (سورة الذاريات ،19)

والحق اسم من أسماء الله الحسنى أو صفه من صفاته .
والحق في اللغة له معاني كثيرة: حق ، حقاً ، وحقوقاً: صح وثبت وصدق ، ويقال: يحق عليك أن تفعل كذا: يجب.
ويقال : تحاق الرجلان: تخاصما وادعى كل منهما الحق لنفسه وحقوق الله: ما يجب علينا تجاهه.
فأصل كلمة "حق" في اللغة اللاتينية Drictus) ) وتعنى الصواب ، العدل ، مستقيم ، قويم ، "والحق" في اللغة الفرنسية Droit)) ، وفى اللغة الانجليزية Right))" والحق" نقيض الباطل
الإنسان: وردت في المعاجم اللغوية أن "الإنس" البشر الواحد ، ويقال "إنس" بالكسر وسكون النون ، والجمع " أناس" قال تعالى "وأناسي كثيراً"
"والإنسان" هو الإنسان الذي خلقه الله لإعمار الأرض وهو الإنسان الذي خلقة الله لعبادته ، قال تعالى        " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" ( سورة الذاريات ،56)
والإنسان هو الذي جعله الله خليفته في الأرض ويتضح ذلك في قوله تعالى﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ ( البقرة ،30) وأيضاً  ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (يونس ،14) ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم ﴾ (النور، 55) ، والإنسان هو الذي خلقه الله سبحانه وتعالى فأحسن خلقة وميزه عن سائر المخلوقات بالعقل والتفكير وفضله ووهب له العديد من الحقوق وألزمه بالعديد من الواجبات .
ويقصد بها "هي تلك المقاييس الأساسية التي لا يستطيع الإنسان العيش بدونها حياة كريمة وهى أساس الحرية والعدل والســلام .
أما عن "حقوق الإنسان " فالبعض يرى أنها " مجموعة من القــواعد والمبادئ المنصوص عليها في عدد من الإعلانات والمعاهدات الدولية والتي تؤمن حقـــوق وحريات الأفراد والشعوب في مواجهة الدولة أسـاسـاً ، وهى حقـوق مرتبطة بالإنسان وغير قابلة للتنازل عنها ، وتلزم الدولة بحمـايتـها من الاعتداء أو الانتهاك .
ويتضح من التعريف السابق أن حقوق الإنسان غير قابلة للتنازل وأنها لها صفة الشرعية الدولية ويتضح ذلك من خلال العديد من المواثيق والإعلانات والاتفاقيات التي أكدت على هذه الحقوق وأن أي فرد لا يمكنه التنازل عنها.
    وعرفها "رينية كاسان" بأنها " فرع خاص من فروع العلوم الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس استناداً إلى كرامة الإنسان ، وبتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني"  .
      ويتضح من تعريف "كاسان" أنه ربط بين حقوق الإنسان وبين العلوم الاجتماعية وذلك يرجع إلى  أن العلوم الاجتماعية تقوم على أساس دراسة الإنسان وما يرتبط به من عادات وتقاليد وكذلك حقوق وواجبات.
وتٌعرف حقوق الإنسان بأنها " مجموعة الاحتياجات والمطالب التي يلزم توافرها بالنسبة إلي عموم الأفراد ، دون أي تمييز بينهم بسبب الجنس أو النوع أو اللون أو العقيدة السياسية أو الأصل الوطني أو لأي اعتبارات أخري ".
     أما الأمم المتحدة فتعرف حقوق الإنسان "أنها تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا والتي لا يمكن بدونها أن نعيش كبشر ، فحقوق الإنسان والحريات الأساسية تتيح لنا أن نطور بشكل كامل وأن نستخدم صفاتنا البشرية وذكائنا ومواهبنا ووعينا ، وأن نلبى احتياجاتنا الروحية وغيرها من الاحتياجات ، وتستند تلك الحقوق إلى الطلب المتزايد من جانب البشرية على حياة يكفل فيها الاحترام والحماية للكرامة المتأصلة والقيمة الذاتية لكل إنسان ، وإنكار حقوق الإنسان والحريات الأساسية ليس فقط مأساة فردية وشخصية بل إنه يخلق أيضاً الأوضاع المسببة للقلاقل الاجتماعية والســـياسية ويبذر بذور العنـف والنزاع داخل المجتمعات والأمم فيما بينها .
   ويتضح من هذا التعريف أن الأمم المتحدة أكدت على أن حقوق الإنسان هي حقوق مرتبطة بالإنسان منذ ولادته وأنها متأصلة في طبيعة كل فرد ، وأنه من الضروري احترام هذه الحقوق والحفاظ عليها بشتى الوسائل والطرق.
    كما عرف مركز آسيا والمحيط الهادي لمعلومات حقوق الإنسان" ،
Asia- Pacific human rights information center ,2003""
بأنها تلك الحقوق الأصيلة للإنسان والتي تقر بأن كل فرد له الحق في التمتع بحقوقه الإنسانية دون أي تمييز قائم على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأى آخر أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو أي وضع آخر.

أكد هذا التعريف على أحقية كل فرد في العالم بالتمتع بحقوقه دون أي تمييز وأنها حقوق أصيلة موجودة مع الإنسان ومستمرة حتى نهاية حياته
     وتعرفها " الهام عبد الحميد فرج ، 2004"  بأنها ، " المشاركة ، والتعبير عن الرأي ، والاختلاف مع الآخر والاتصال والتواصل بكل الأشكال والوسائل والحصول على المعلومات والتدريب على الوصول إليها وعلى اكتساب المهارات  التي تحقق له العمل والكسب والأمن والأمان النفسي والاجتماعي"
ويتضح من هذا التعريف أنواع الحقوق التي لابد أن يتمتع بها كل فرد ، ولكن حتى نستطيع أن نمتلك تلك الحقوق لابد من اكتساب العديد من المهارات وامتلاك العديد من الوسائل للحصول عليها.
ويٌعرفها "عبد الكريم علوان ، 2004" بأنها " مجموعة  المعايير الأساسية للحياة الكريمة ، التي تعد أساس الحرية والعدالة والسلام في المجتمعات ، واحترام هذه الحقوق وتعزيزها في المجتمع  يساهم في تنميته وأفراده على حد سواء ، إذ إن هذه الحقوق تعتبر حجر الأساس في استقرار المجتمعات ومقياساً لتقدم الدول ".
   ويٌعرفها " كمال الدين حسين ، 2004" بأنها ، " تلك المعايير الأساسية التي لا يمكن للأفراد أن يحيوا بدونها بكرامة كبشر ، وأن حقوق الإنسان هي أساس الحرية والعدالة والسلام ، وأن من شأن احترام حقوق الإنسان أن يتيح إمكانية تنمية الفرد والمجتمع ".
وأكد هذا التعريف على أنه إذا  وجد احترام لحقوق الإنسان في أي مجتمع فبالتالي سوف يتحقق السلام و العدالة في هذا المجتمع ، ويعود بالتقدم والرقى للفرد والمجتمع.
ويٌعرفها " Todd, L , 2004" بأنها " تلك الحقوق التي يتمتع بها الأفراد والجماعات بالفعل ويمارسونها بغض النظر عن الالتزام الرسمي الذي تقوم به الحكومات نحو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان .
    ويٌعرفها" أحمد الرشيدي" ، 2005 " بأنها ، "هي مجموعة من الاحتياجات أو المطالب ، التي يلزم توافرها بالنسبة إلى عموم الأشخاص ، وفى أي مجتمع دون أي تمييز بينهم في هذا الخصوص ، سواء لاعتبارات الجنس أو اللون أو العقيدة السياسية أو الأصل الوطني ، أو أي اعتبارات آخري".
   وتٌعرفها" إيمان حمدي عمار، 2006" بأنها ، " المطالب التي يتعين الوفاء بها لجميع الأفراد دون أي تمييز فيما بينهم بسبب النوع أو الجنس أو اللون أو العقيدة أو الطبقة أو لأي سبب آخر" .
أكد كل من التعريفين السابقين على اعتبار حقوق الإنسان مطالب واحتياجات يحتاج لها كل فرد ولابد أن يحصل عليها كل إنسان دون أي تمييز.
    ويٌعرفها " السيد فوده ، 2006 " بأنها " الحقوق والحريات المستحقة لكل شخص لمجرد كونه إنسانا بصرف النظر عن جنسيته أو ديانته أو أصله العرقي أو وضعه الاقتصادي أو الاجتماعي ، وهي حقوق يمتلكها الإنسان قبل أن يكون عضواً في مجتمع فهي تسبق الدولة وتسمو عليها ".
    كما يعرفها " إبراهيم أحمد خليفة ، 2007 "  بأنها  ، "مجموعة من المصــالح والمكنات المملوكة لكل شخص مجرداً والتي يحميها القانون مع التزام الدولــة باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
يؤكد هذا التعريف على أن حقوق الإنسان تتمتع بالحماية القانونية ، ولابد من احترام الدولة لتلك الحقوق وأن تكفلها لكل فرد في الدولة.
   ويعرفها" قدري الأطرش، 2008 " بأنها " مجموعة المباديء والقيم المستمدة من طبيعة الإنسان والتي تؤكد علي ضرورة احترام آدمية الإنسان وكيانه المادي والأدبي وهي الحقوق الطبيعية والشخصية والحريات العامة "
  ويٌعرفها "حسن عايل ، وأسماء زين صادق ، 2009" بأنها " تلك الكلمات أو الرموز أو العبارات التي يعبر بها عن المعايير التي يصفها المجتمع سواء كان محلياً أو عالمياً بحيث يوفر للإنسان العيش بكرامة ، وتقوم على مبدأ المساواة والعدل والحرية والتي لا تمس بحرية الآخرين أو تؤذيها ، بحيث يتحقق من ذلك فرص للحياة الكريمة ولتنمية الفرد والمجتمع المحلى والعالمي تنمية كاملة .
     وتٌعرفها " سونيا هانم قزامل ، 2009   " بأنها ، " مجموعة من الحقوق والحريات المقررة والمحمية بمقتضى المواثيق الدولية والإقليمية والوطنية لكل كائن بشرى في كل زمان ومكان ، ومنذ لحظة الإقرار بوجوده بوصفه كائناً حياً ، وحتى ما بعد وفاته ، والتي تُلزم الدول بإقرارها وضمانها وحمايتها على أراضيها .
   وتري " ليا ليفين ، 2009 "  أنها " مطالب أخلاقية أصيلة مكفولة لجميع بني البشر بفضل إنسانيتهم وقد تم صياغة هذه الحقوق بما يعرف اليوم بحقوق الإنسان ، وتأسست وفقاً لقواعد صياغة القوانين في المجتمعات القومية والدولية" .
ونستخلص من هذه التعريفات السابقة ما يلي:
1- أن حقوق الإنسان بمثابة علم .
2- حقوق الإنسان ضرورة لاستمرار الحياة .
3- حقوق الإنسان تستند على احترام الكرامة الإنسانية .
4- حقوق الإنسان لكل الناس بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنس فنحن جميعا متساويين في الحقوق .
5- حقوق الإنسان لازمة لوجود الإنسان .
6- حقوق الإنسان لابد أن يتوافر لها الحماية القانونية.
7- حقوق الإنسان تستند على العديد من المبادىء مثل الحرية ، العدالة ، المساواة.
8- حقوق الإنسان إذا احترمتها الدول وطبقتها في أنظمتها المختلفة فبالتالي تتقدم هذه الدول.
    وتري المؤلفة أنه يمكن تعريف حقوق الإنسان بأنها " مجموعة الحقوق والحريات الممنوحة لكل إنسان منذ ولادته وتتنوع الحقوق المرتبطة بالإنسان فهي حقوق سياسية ومدنية واجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها من الحقوق التي كفلتها كل الأديان السماوية " اليهودية ، المسيحية ، وختاماً الشريعة الإسلامية التي منحت الإنسان الكثير من الحقوق ، بالإضافة إلى الدساتير والقوانين والإعلانات العالمية التي نادت باحترام تلك الحقوق والعمل على تطبيقها" .
* الجذور التاريخية لحقوق الإنسان
إن مسيرة حقوق الإنسان لم تبدأ في غفلة من التاريخ فهناك أصول وأسس سابقة بنت عليها الحضارة الحديثة مفاهيمها عن حقوق الإنسان ، ومن ثم فإن القيمة التاريخية لمضامين الحقوق لا تقل أهمية عن القيمة الموضوعية ، فالأولى تبرز أهمية الثانية  بشكل مضاعف ، والتطرق لموضوع حقوق الإنسان من الناحية التاريخية ومحاولة التماس الأصول التاريخية لهذه المسيرة أمر له أهميته بهدف رسم صورة لعملية التغيير التي حدثت في الأفكار الإنسانية التي ترتب عليها الدعوة إلى حركة وطنية ودولية لحقوق الإنسان
ويمكن القول أن حقوق الإنسان مرت بثلاث مراحل للتطور التاريخي وهى ما يلي:
1- مرحلة العصور القديمة
    إن أصول فكرة حقوق الإنسان بدأت مع بداية تكوين حياة مشتركة لمجموعات البشر، ومن ثم فإن هذه الفكرة ولو بصورتها البدائية هي فكرة قديمة قدم الحياة البشرية ، كان المجتمع يقوم على مبدأ القوة ، ولم يكن هناك رأى إلا لرجل واحد . فلم تكن الحرية الشخصية ولا غيرها من الحريات معروفة ولا ثابتة بل كان نظام الرق معروفا كشيء مألوف ، والنظام الطبقي هو الأساس لبناء المجتمع .
وهناك العديد من الحضارات التي ظهر فيها بعض القوانين المكتوبة ومنها :
·        في مصر
تعتبر حضارة مصر الفرعونية في مقدمة الحضارات التي احترمت حقوق الإنسان وطبقتها عبر عصورها المتعاقبة ، حيث اختصر الفراعنة في بداية عصر الدولة القديمة مفهوم حقوق الإنسان في كلمة واحدة وهي " ماعت " التي تعد من أقدم المصطلحات اللغوية ذات الدلالة المتعددة فهي تعني العدل ، والصدق ، الحق ، ونستطيع أن نلمح مظاهر احترام حقوق الإنسان في الحضارة الفرعونية القديمة فمنها علي سبيل المثال ، أن المصريين القدماء أول من اعترفوا للإنسان بالحق في الحياة ، فكانوا يؤجلون تنفيذ حكم الإعدام في المرأة الحامل إلي أن تضع حملها ، كذلك لم يكن يسمح المصريون القدماء بوأد الأطفال علي الرغم أنه كان حقا من حقوق الآباء في الحضارات الأخرى كالحضارة الرومانية ، أيضا عرف المصريون مبدأ المساواة بين جميع المواطنين ، فكان المصريون جميعا متساوون أمام القانون ، لا فرق بين غني وفقير ، ولا بين حر وعبد ، ولا بين مواطن وأجنبي ،وقد عرف المصريون التأمين الصحي منذ زمن بعيد وقد شهد بذلك " ديودور الصقلي " الذي ترك وثيقة فيها " إن المجتمع المصري يتيح لأفراده العلاج المجاني " أما عن التعليم فقد ثبت أن مصر الفرعونية شجعت أبنائها ذكوراً وإناثاً علي التعليم واحترمت مثقفيها ، فكانت تكرم الحكماء ، وقد شجع حكماؤها علي تعلم الكتابة حيث يصف أحد الحكماء الكتابة قائلا " أثمن من أي ميراث في مصر ، وأثمن من أي مقبرة "   
·         بلاد مابين النهرين "بابل"
     ظهرت تنظيمات مختلفة للإنسان على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية جرى تنظيمها عن طريق القوانين والشرائع التي ظهرت على مر العصور ، فمن الوجهة السياسية كانت القوه السياسية دائما في يد مجلس شيوخ المدينة أو القرية ، ويبدو أن هذه الوسيلة البدائية من أدوات الحكم كانت من مميزات المجتمعات القروية في كل العصور ، وظهر في بابل مجلس للآلهة على نمط القرية العتيق وظهرت طبقة مميزة تسيطر على الطبقات الأخرى ، وأدعى الملوك والزعماء أنهم يستمدون سلطانهم من مصادر إلهيه حيث أصبحوا حلقة الوصل بين السماء والأرض .
     ورغم صرامة القوانين العراقية القديمة إلا أنها تشكل التجربة الأولي في تاريخ البشرية وهي تمثل في الأصل الأساس القانوني الصحيح لتجربة الإنسان ، وقد تميز الملك في القوانين العراقية القديمة بأنه لا يختلف عن بقية الناس أوكلته الآلهة مهمة حكم البشر فالملك مكلف بنصرة المظلومين والاقتصاص من الظالمين ، وهو بالمقابل لا يمتلك صورة الحكم الآلهي .
     وفى القرن العشــرين قبل الميلاد تقريباً ظهر قانون حمورابى ملك بابل حيث كانت نصوص القانون تحتوى على قائمة من الذنوب لا حصر لها ، وكثير منها طفيف لكنها كانت تستوجب العقاب بالموت ، أو بالتشويه عملاً بالنص الحرفي لمبدأ العين بالعين والسن بالسن ، وقد كان يتصف هذا القانون بالقوة في معاملة المجرمين والمديونين والأرقاء ، وعلى الرغم من ذلك فإن قانون حمورابى استهدف تحقيق جزءاً من التضامن الاجتماعي القائم على تحمل السلطة العامة المسئولية في حماية المواطنين وأموالهم  .
ولقد ساهمت تشريعات حمورابي إلي حد كبير في تطبيق العدل حتى يسود علي الأرض وحتى يضع حداً للظلم الذي يتعرض له الضعفاء من طرف الأقوياء ، وقد جاء تدوين الأعراف التي تٌسطر حقوق المواطنين علي أثر قيام الدول المركزية في بلاد النهرين ، والتي اهتمت بوضع الأسس التشريعية لذلك ، وكانت النصوص القانونية خير دليل علي ذلك .
ومن الأمثلة الدالة علي العدالة القضائية التي شهدتها تلك المرحلة ، في أن المحاكم السومرية لم يكن لها الحق في أن تصدر حٌكماً علي شخص يٌرفع أمره إليها ما لم يكن حاضراً إلي المحاكمة أو بٌلغ بالحضور فلم يحضر ، ومن هنا يتضح لنا أن حقوق الإنسان في بلاد النهرين قد ظهرت إلي الوجود مع ظهور التشريعات القديمة ، وأن العراقيون قد عبروا عن فهم الحاجات الإنسانية ، وأنه رغم هاجس العدالة والذي كان مطروحا في المجتمع العراقي ، فإن كل الأفكار والمبادئ الأولية المتعلقة بحقوق الإنسان كانت معروفة في المجتمعات العراقية القديمة ، ويعتبر المجتمع العراقي نموذجاً لسمو الفكر البشري ورجاحته رغم كون المجتمع كان في بداياته الأولي ، فكان حقا نموذجاً حياً لقوة العقل البشري . 
·        أما في اليونان
  رغم أن الحضارة اليونانية كانت متقدمة ، إلا أنها لم تعترف بالحقوق السياسية إلا لطبقة معينة من الناس ، فالمجتمع اليوناني كان مبنيا علي السلطة والقوة والعنف ، وكان الرق شائعا ، وحقوق الإنسان منتهكة ، وكان السكان مقسمين إلي ثلاث فئات وهما ما يلي :
- الفئة الأولي ، وهي طبقة الأشـــراف أي طبقة الفرسان وهم أركان الجيش ومنهم الحكام والقضاة والكهنة.
- الفئة الثانية ، وهي طبقة أصحاب المهن وقد اعترف لهم بحق المواطنة .
- الفئة الثالثة ، وهي طبقة الفلاحين والفقراء وهي الطبقة المحرومة من كل شيء ، وكانت تزداد فقراً حتى وصل الأمر بطبقة الأشراف والطبقة الوسطي أن تبيع هؤلاء نتيجة لعدم قدرتهم علي دفع ديونهم .
  وفي أواخر القرن السابع عشر قبل الميلاد قام "صولون " بإصلاحات عديدة ، حيث منح قانون صولون الذي صدر عام 594 ق.م الشعب حق المشاركة في السلطة التشريعية  عن طريق مجالس الشعب ، كما جعل القانون للشعب حقاً في المساهمة بانتخاب قضاته ، وقد حرر صولون المدنيين من ديونهم وأطلق سراح المسترقين منهم ومنع استرقاق المدين وقضى على نفوذ أرباب الأسر عن طريق تفتيت الملكيات الكبيرة .
    وفى عهد " بركليس " الذي حكم أثينا اعتباراً من عام 444 ق.م إلى عام 429 ق.م تمتع المواطنون أثناء حكمه بحق المساواة في حرية الكلام والمساواة أمام القانون وهكذا ، ويعتبر "بركليس" خير من دافع عن النظام الديمقراطي في أثينا ، لقد كان المواطن في أثينا يتمتع بمجموعة من الحقوق السياسية المتمثلة في جمعية الشعب ، وحق تولى المناصب العامة ، وعلى الرغم من ذلك لم يكن المواطن الأثيني يعرف الحرية الفردية الحقيقية نظراً لتمتع الدولة بسلطات واسعة وشاملة وعدم وجود ضمانات للأفراد في مواجهة دولة المدينة .
ويذكر أن بعض المدن اليونانية وخاصة أثينا قد شهدت نوع من الديمقراطية المباشرة ، حيث كان أهل أثينا يجتمعون جميعا ليقرروا شئونهم ، ولكن أهل أثينا يتجاوزون عشرين بالمائة من سكان المدينة ، حيث كان العبيد والوافدون وغيرهم لا يتمتعون بحق حضور جمعية المواطنين الأحرار وفي مثل هذا الوضع يصعب معه الحديث عن الديمقراطية .  
·  أما في روما 
   كان المجتمع الروماني يتألف من فلاحين معظمهم منصرفون إلي الزراعة ، وكان المجتمع الروماني يتصف بتركيز السلطات تركيزا قويا داخل الجماعة المنزلية التي كانت أشهر منظمة اجتماعية ، فكان جميع أفراد هذه الجماعة خاضعين لسلطة شديدة يمارسها الرئيس " رب الأسرة " الذي له وحده امتلاك الأهلية الحقوقية ، أما باقي الأفراد فليست لهم أية مبادرة ولا أي استقلال مهما كان عمرهم ووضعهم الاجتماعي ، وفي القرن الثالث بعد الميلاد انقلب المزارعون إلي تجار وانعكس هذا التبدل في بنيتهم الاقتصادية علي الحقوق عندهم .
 وعرفت روما العبودية والرق وكان جزءا كبيرا من سكانها من العبيد ، وكانت المرأة ملكا لزوجها ، وكان الأولاد محلا للرهان والبيع من قبل أبائهم ، فالطبقات العليا هي التي لها حق المواطنة ، أما الباقون فكانوا من العبيد الفقراء ، فطبقت روما القانون علي أهلها ، وأنزلت الذل علي جميع الشعوب التي تحت سيطرتها وولايتها ، ورغم وجود القواعد القانونية إلا أن الحكام اسأوا تطبيقها ، ومع الزمن اتسعت الإمبراطورية الرومانية وتعددت ولايتها وتعددت الشعوب التي كانت تحت سيطرتها ، ولتثبيت حكمهم قام الرومان بدراسة مؤسسات كل شعب يسيطرون عليه ، فوجدوا عناصر قانونية مشتركة لدي هذه الشعوب ولدي الإمبراطورية الرومانية ، فقاموا بصياغة هذه القواعد وسموها " قانون الأمم " .
ومهما يكن من أمر فلا يمكن إنكار ما أقامه الرومان من نظم ومؤسسات قانونية وإدارية وسياسية ، وعرفت روما في عهدها الملكي ، مجلسا للشيوخ ، والمجالس الشعبية ، وكان دور مجلس الشيوخ تقديم المشورة للملك ، لكن هذه المجالس كانت محتكرة من قبل الطبقات العليا .
أما في العهد الجمهوري فقد خلع الملك ، وحل مكانه قنصلان يحكمان الدولة ، وفي ظل هذا الحكم توسعت أنظمة المجالس فدخلها العامة ، لكن تصديق مجلس الشيوخ علي القرارات كان وفقا لقرارات الأعضاء الأشراف وحدهم .
      وشهــدت روما في هذا العهد بعض المحاولات المحدودة في سبيـل الحـرية والمساواة وإذا كان القائمون بهذه المحاولات قد نجحوا في الحصـول على جانب من هذه الحقـوق فإن هذا لا يعنى مطلقـاً أن الإمبراطورية الرومـانيـة قد شهـدت عصـراً تمتـع فيه الفرد بكامل حقوقه وحرياته تجاه الدولة التي كانت مسيطرة تماماً على الشئـون المختلفة في الحياة ، وقد دون الرومان العادات والتقاليد والأعراف في قانون الألواح الإثني عشر 450 ق.م ؛ لكي تثبت وتستقــر ويتساوى الجميـع في معرفتها والخضوع لأحكامها وأخذ الرومان ينادون بصـورة تدريجيـة بحرية العقيــدة في المسائل الدينية كمـا أن الفقهــاء الرومان قد نظروا إلى الرق نظرة غير مشجعة ، إن واقع المجتمع في روما كان يتناقض تماماً مع الأفكار الحقيقية لحقــوق الإنسان فما كان يدور من قتــل لحقــوق الإنسان في روما وإهدار لكرامته تمثــل جانباً من مظاهر تلك الدولة وعلامة بارزة تعكس جانباً مهماً من طبيعة المجتمـع الروماني .
·        الفرس
لطالما نسب إلي المجتمع الفارسي سن الغالبية من لتشريعات ، والتي ساهمت ليس فقط في تغيير واقع المجتمع الفارسي بل البشرية جمعاء ، ففي مجال الحرية وتعزيز العدل بين الناس قام الفرس بتدوين قواعد تحدد ذلك ، كما نسب إلي مؤسس الإمبراطورية الفارسية " كورش العظيم " أنه كان مؤلف أول إعلان دولي لحقوق الإنسان والمفهوم الإنساني للدولة .
·        الصين ، الهند
إن المتتبع لواقع حقوق الإنسان في المجتمع الصيني في العصور القديمة ، يستشعر التزام الصينيين القدامى بتطبيق جملة من القيم والتي أعلت إلي حد ما من مكانة الإنسان في تلك المرحلة ، حيث احتوت علي قواعد تعدد واجبات الإنسان تجاه أخيه بما يضمن حقوقه الأساسية في الحياة والتعبير الحر عن النفس ، وبالمقابل اهتمت الفلسفة البوذية اهتماماً بالأخطار المتعلقة بالحريات الأساسية للإنسان كالعنف والاستقلال .
ولقد سمحت الحضارة الهندية القديمة بحرية العقيدة والأديان ، وقد عثر علي مراسيم تؤكد علي حرية اعتناق الأديان وممارسة الشعائر الدينية .
وما يمكن قوله أن حقوق الإنسان لم تبلغ شأناً كبيراً لجملة من الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية واشتركت فيها الحضارات القديمة عموما أعاقت تطورها وازدهارها وهي في الواقع حتمية تمر عليها المجتمعات منذ بدايتها ، وإذا قمنا بتقييم واقع حقوق الإنسان في العصور القديمة نجد أنها شهدت انتهاكاً صارخاً لحقوق وكرامة الإنسان ، وانه رغم وجود بعض التشريعات والتي اهتمت بوضع آليات حماية ولو محدودة لحقوق الإنسان ، ولكنها بقيت بعيدة عن الأهداف التي رسمتها لاعتبارات عديدة ارتبطت بشخص الحاكم وقوة السلطة وطبيعة المرحلة التي كان يشهدها المجتمع ، وعلي الرغم من كل هذا القصور الذي عانت منه الدول في العصور القديمة إلا أنها شكلت الأساس أو الأرضية التي استفادت منه البشرية فيما بعد .
   2- مرحلة العصور الوسطى  
     يقصد بالعصور الوسطى تلك الفتـرة التي تمتـد من الربع الأخير من القرن الخامس الميلادي وحتى نهاية القرن الخامس عشر وقد ساد خلال هذا العصــر اتجاهان أساسيان ، أولهما ويطلق عليه " عصر آباء الكنيسة" ويبدأ مع أواخر القرن الخــامس الميلادي حتى عهـــد الملك شارلمان سنة 800 م ، والثاني يطلق عليه " العصر المدرسي " وقد امتد حتى القرن الخــامس عشر وهو بداية قيـام النهضة الأوربية.
     وخلال عصر" آباء الكنيسة " فقد انحصر الفكر الفلسفي بين جدران الكنائس ، فتميز رجال الدين بالعلم والمعرفة ، وكانت مهمتهم الأولى الدعوة إلى العقيدة المسيحية ، وتأكيد الإيمان بها بالدليل العقلي . وقد عظم شأن الكنيسة وطغى سلطـانها على السلطة الزمنية الحاكمة ، وكان هناك إصراراً على ضرورة الطاعة للكنيسة والولاء لها ، وسعت الكنيسة إلى اكتساب امتيازات قبل السلطة الزمنية ومما ساعد الكنيسة في تركيز هيمنتها خلال هذه الفترة سيطرة الإقطاع .
     وخلال " العصر المدرسي "  فكان الفكر السائد أن الدولة أدنى منزلة من الكنيسة ويجب أن تقدم الدولة العون والمساعدة  للكنيسة ، كما يجب أن تكون في خدمتها لكي تحقق أهدافها العليا ، وكل دولــة تقف مناهضة للكنيسـة ، أو تعارض قراراتها، تصبح دولـة غير شرعيـة ويملك البابا حق إقالة حكومتها . 
ولكن في نهاية هذا العصر انهارت السلطة البابوية ، وشهد قيام النظام الاستبدادي مع دعوات لإقامة مجتمع عالمي وحكومة إلهيه واحدة، في مقابل دعوات أخرى أساسهـا إقامة الدولة القوميــة ، ومن الملاحظ أن الشعب كان محكوماً بسيادة نظام الإقطاع الذي أنشأ إلى جانب سلطات الدولة سلطـات رؤساء الإقطاع .
3- مرحلة عصر النهضة
     كان هناك أساس لتقييد صاحب السيادة ببعض القيود كالقانون الطبيعي وأوامر الله والقوانين الأساسية للدولة وكانت هذه القيود التي وضعت لمقاومة الطغيان والاستبداد والحكم المطلق وظهرت على يد الفقيهين "جروشيوس " و" بفندروف" ، حيث نشر " جروشيوش " سنة 1625م كتــابـه الشهير " حقوق الحرب والسلم " أما " بفندروف " فقد نشر سنة 1673م كتابه "حقــوق الطبيعــة والبشر" ثم توالت المؤلفات التي تتحدث عن الحقوق الطبيعية للبشر ، فالقرن السابع عشر قد شهـد انبعاث الحديث عن نظرية الحقوق الطبيعية للبشر والتي تقوم على أن الأفراد يتمتعون بكامل حقوقهم وحرياتهم التي يكفلها لهم القانون الطبيعي الذي يقف مانعاً أمام أي اعتداء عليها ، وهذه الحقــوق والحريات سبقت وجود الدولة ، وأن دخول الفرد أو الإنسان في الجماعة أو الشعب المكون للدولة لا يعنى مطلقاً أنه تنازل عن هذه الحقوق مما لا يعطى الدولة الحق بالاعتداء عليها .